كتاب الطالب اللغة العربية الصف الخامس الفصل الثالث 2023-2024
الفصل الأول
"كان هذا الحال يتكرر كل يوم في المنجم، إلى أن جاء يوم سمعت فيه قطع الفحم ضخما في الخارج، فأصخت السمع جيدا، كانت أصوات بعض الفتيان يتحدثون ويضحكون تصل إلى داخل المنجم متقطعة، تعلو حينا وتنخفض أحيانا أخرى، حاولك قطع الفحم أن تلتصق بالحدار، وتختبىء في الظلام، حتى تحمي نفسها، إلا تواقا الذي هرع إلى مدخل المنجم ليستطلع الأمر، فما كان من صديقه خابي إلا أن ركض خلفه يحاول أن يسحبه إلى الداخل.
لكن الوقت كان قد فات؛ فقد امتدت إليهما أصابع رقيقة وحملتهما وأدخلتها في مكان مظلم ضيق جدا.
احتاج الصديقان وقتا حتى استطاعا أن يدركا أن صبيا صغيرا التقطهما ووضعهما في جيبه
في البداية شعر تواقا بالضيق، لكنه بعد لحظات ايتهج وهو يتقافز قفات صغيرة مع ركضات الصبي وقفزاته، أما حابي فقد ظل خائفا يطلق آهات قصيرة مع كل قفزة تطيره إلى الأعلى ثم تلقيه في قاع الجيب المظلم. كان يطلق صرخات قصيرة، ويردد "يا إلهي !
سأموت، سأموت"، فيرد عليه تواقا مقهقها "أيها الجبان! ستموت وأنت داخل هذا الجيب القطني الدافئ ؟ اعتبر نفسك في مدينة الملاهي واستمتع بوقتك. إنه شيء راائع .
الفصل الثالث
كانت ليلة لا تنسى، شديدة البرودة، وكان القمر فيها بدرا بديعا منيرا، وكان هو مبهورا بأجواء ذلك الليل البعيد الذي تداخل فيه اللون الفضي المنسكب من القمر مع ألوان أصدقائه الأحجار، الياقوتي، والفيروزي، والليلكي، والكهرماني ، ألوان لا حصر لها ولا عد، أضفت على المكان رهبة وطابعا سماويا.
في تلك الليلة تسامرت لأححار، وتحدثت عن أحلامها وآمالها، تكلم الياقوت والزمرد والعقيق والزبرجد. ثم تحدث حجر الحكمة بصوته العميق. ما زال خابي يتذكر كل كلمة قالها حجر الحكمة، ويتذكر نظرات تواق عندما سمع كلمات حجر الحكمة.
كاد حجر الحكمة طويل الصمت كثير التأمل، وكان إذا تحدث ينصت الجميع لما يقول. تراو تحدث ليلفها بحزن عمقه إذ لم يكن راضيا عن هشاشته، فتساءل إن كان هناك أمل في أن يصبح صلبا قويا، وتذكر كيف ضحكت منه الأحجار، بل إن بعضها هزئ به، ثم كيف صمت حجر الحكمة وسدد نظراته الثاقبة مباشرة في عيني تواق، وظل يتأمله طويلا، ثم قال كلاما لن ينساه القمر، ولن ينساه الكهف ولن تنساه الأحجار، كما لن ينساه تواق وخابي أبدا
في صباح اليوم التالي، ذهب الصبي الذي التقط أحجار الفحم؛ ليقدمها لمعلم مادة العلوم، لكن المعلم أخبره بأن زملاءه قد أحضروا كثيرا منها، وأنه لم يعد بحاجة إليها، فبقي الحجران في جيب الصبي، حتى أهر النهار.
وفي مساء ذلك اليوم حرج الصبي ليلعب مع أصحابه كالمعتاد، حاملا الحجرين في جيبه، وهو ل١ يدري عن أحلام توافق ومخاوف خابي، ولا يتهيل أن في حبه الصغير عالما مشحونا بالتطلع والحذر .
صاح تواق بصوت يرتجف: إنها الفرصة المناسبة لنا، لننطلق هيا يا صاحبي! تمسك بي جيدا
رد خابي بوجل: ماذا هل تنوي القفز ؟
أجاب تواق: نعم، الآن، الآن.
قفز تواق من جيب الصبي ، في حين تمسك خابي بالقماش بقوة، وأغمض عينيه، ولم يجرؤ حتى على أن يتقدم خطوه واحدة.
طار تواق في الهواء ثم سقط على الأرض وسط العشب الأخضر الندي، لكنه نهض مسرعا، وهو يقول: يا لها من قفزة قوية ! أليس كذلك يا خابي ؟ خابي خابي هل تسمعني ؟ أين أنت ؟
مكث تواق ينادي طويلا، أملا أن يكون خابي قد سقط بالقرب منه، لكته أيقن بعدما طالت نداءاته، أن خابي لم يقفز معه، وأنه ما زال مختبئا في جيب الصبي، ردد بحنق "يالك من أحمق معتوه يا خابي! ليتك قفزت يا خابي "، لكن سرعان ما تلاشى غضبه على صديقه حين لمح احد الاولاد يركض مسرعا باتجاهه
هبت رياح قوية حاول أثناءها تواق أن يتمسك بالشحرة وبأحد فروعها، لكن الريح كانت أقوى مما توقع، فحملته الرياح عاليا، عاليا، بعيدا ، بعدا، خاف تواق وأصابه الهلع، فهو لا يدري ما الذي يدور حوله، ولا إلى أين تمضي به الريح، لم يكن يظن يوما انه سيطير في السماء، فقال محدثا الوقت
- سمعت عم الريح وسرعتها وقوتها، لكني لم أتوقع يوما أن بإمكانها أن تحمل الحجارة. أيثها الريح إلى أين تأخذيني ؟؟
- يا حجر الفحم، سمعنك تحدث الشجرة وتبارك علوها، فظننتك شجاعا. ، أنا شجاع وقوي، ولست أخشى شيئا.
- هل أنت متأكد ما تقول أيها الحجر» نعم، متأكد تماما واحملي أينما كنت، ولأعلى مكان تصل إليه
- سترى الآن إذ كنت شجاعا أيها الحجر ، ستحملك ريح أقوى وأسرع، فنحن باتجاه إعصار قوي وستحد معه.
- نعم، أنا قوي وشجاع، وأريد أن أصل إلى النجوم، وإذ كان الاعصار سيحملني إليها، فأر حولك أيتها الريح سارعى بي إلي.
وما هي إلا لحظات حتى ازدادت الريح مسرعة وقوة والتخمن مع إعصار مدمر، وزمجرت السماء.
فذعر تواق ذعرا شديدا. كان كل شيء يطير في الاشجار ، السماء ، والطيور، وأعمدة الانارة ، وقطع الأخشاب، والحجارة.
لم يكن تواقا يعني ما يقول، إذ كان خائفا في داخله، لكنه لم يكن يوما ليرضى بأن يسخر منه أحد، كائنا من كان، سواء أكان إعصارا مريعا أم حبة رمل صغيرة.
ازداد الاعصار غضبا على غضب ، وقطع عثشرات الكيلومترات بسرعة هائلة، مخلفا وراءه دمارا هائلا؛ أشحارا اقتلعها، وحيوانات أغرقها، وبيوتا هدمها، وبشرا شردهم، واستمر يدمر كل شيء يمر به. لكن سرعته بدأت تتباطأ تدريجيا عند اقترابه من البحر، ومع تباطؤ سرعة الإعصار سقط تواق ، فحملته الأمواج إلى عمق البحر الأزرق اللامع.
استدار حول نفسه، فلم ير شيئا يعرفه أو يألفه، كان البحر هاديا، والسكون يخيم على المكان إلا من صوت الموج الوديع، لكن تواقا شعر بالغربة والضياع، وبأنه لا شئ في هذا العالم المتلاطم.
مضت ساعات وساعات والأمواج تحمله معها أينما سارت بلا وجهة ولا دليل. وهو حيران لا يعرف ما الذي تحمله له الساعات والأيام القادمة، ومخاوفه من البحر تتزايد، وأسئلته تتكاثر يا ترى هل سيجد له في البحر أصدقاء ؟ وتذكر أيامه في الكهف وراحته هناك، كما تذكر صاحبه خابي ونصحه له بأن لا يغادر حيث الطي، وتذكر حجر الحكمة وكلماته ونظراته الناقة في تلك الليلة التي لا تنسى، وغاص في دوامة من الأفكار المتناقضة، بين كلمات خابي عن الراحة، وكلمات حجر الحكمة عن الأمل والطموح والشجاعة.
أما خابي، فقد استمتع برفقة الصبي، وعاش حياة هانئة سعيدة، لا شيء يكدر صفوها أبدا، بل أصبح يشعر بأنه حجر ثمين، ولا يختلف كثيرا عن الحجارة الكريمة ذات القمة العالية، خاصة وأن الفتى الذي التقطه ووضعه في جيبه أصبح يعامله معاملة خاصة، فأحيانا تأمله وأحيانا يضعه في ميزان، وأحيانا بحمله بين أصبعين ويرفعه ليواجه به الشمس، ويحدق فيه بعين واحدة ويغمض الأخرى، وأحيانا يتفحصه بالعدسة المكبرة، بل إنه طلب مرة من معلم مادة العلوم أن يسمح له باستعمال المجهر، فوضع خابي تحت عدسة المجهر وأخذ يعلله بالملقط يمنة ويسرة، ويمسح ذلك اليوم شعر خابي بأنه ملك، وغمرته سعادة عظيمة، لكن هذه السعادة لا تقارن بشعوره الأسطوري، حين وضعه الفتى في علبة معدنية فاخرة عليها صور ورسومات جميلة