شرح قصيدة بان الخليط لجرير .
نُبذةٌ عنِ الشَّاعرِ
جَريرُ بنُ عَطيَّةَ بنِ حُذيفَةَ، شاعرٌ أُموِيٌّ، منْ فُحولِ شُعراءِ الإسلامِ، وَيُشَبَّهُ منْ شُعراءِ الجاهليَّةِ بالأعشى، كانَ منْ أحسنِ النَّاسِ تَشبيهًا، وأشدِّ النَّاسِ هجاءً، اشتُهِرَ بِنَقائِضِهِ معَ الفرزدَقِ، عُمِّرَ جريرٌ نَيِّفًا وثَمانينَ سنةً، وماتَ باليمامةِ.
قصيدة بان الخليط مكتوبة
- بَانَ الخَليطُ، وَلَوْ طُوِّعْتُ مابَانَا و قطعوا منْ حبالِ الوصلِ أقرانا
- حَيِّ المَنَازِلَ إذْ لا نَبْتَغي بـــَدَلاً بِالدارِ داراً، وَلا الجِيرَانِ جِيرَانَا
- قَدْ كنْتُ في أثَرِ الأظْعانِ ذا طَرَبٍ مروعــاً منْ حذارِ البينِ محزانا
- لوْ تعلمينَ الذي نلقى أويتِ لنا أوْ تَسْمَعِينَ إلى ذي العرْشِ شكوَانَا
- كصاحبِ الموجِ إذْ مالتْ سفينتهُ يدعو إلى اللهِ أســـــــــراراً وإعلانا
- لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت أسباب دنياك من أسباب دنيانا
- ما أحدث الدهر مما تعلمين لكم للحبل صرما ولا للعهد نسيانا
- أبُدّلَ اللّيلُ، لا تسرِي كَوَاكبُهُ، أمْ طالَ حتى َّ حسبتُ النجمَ حيرانا
- إنّ العُيُونَ التي في طَرْفِهاحَوَرٌ، قتلننــــــا ثــــــمَّ لمْ يحيينَ قتلانــــا
- يَصرَعنَ ذا اللُّبّ حتى لا حَرَاكَبهِ، و هنَّ أضعـــــــــفُ خلقْ اللهِ أركانا
- يا حبذا جبلُ الريـــــــانِ منْ جبلٍ وَحَبّذا ســـــــاكِنُ الرّيّانِ مَنْ كَانَا
- وَحَبّذا نَفَحَــــــــــــاتٌ مِنْ يَمَانِية تأتيكَ مـــــــــن قبلَ الريانِ أحيانا
شرح قصيدة بان الخليط
بَانَ الخَليطُ، وَلَوْ طُوِّعْتُ مابَانَا و قطعوا منْ حبالِ الوصلِ أقرانا
حَيِّ المَنَازِلَ إذْ لا نَبْتَغي بـــَدَلاً بِالدارِ داراً، وَلا الجِيرَانِ جِيرَانَا
ومعنى بان أي ابتعد وغاب، والخليط هو الصاحب ويقصد هنا المحبوبة، فيصف في مطلع النص غياب محبوبته وتقطيعها حبال الوصل بينها وبينه، ثم يحيِّي جرير ديارها ويؤكّد أنَّه لن يستبدلَ هذه الديار بأيِّ دار أخرى ولن يقبلَ غير أهلها جيرانًا له.
حَيِّ المَنَازِلَ إذْ لا نَبْتَغي بـــَدَلاً بِالدارِ داراً، وَلا الجِيرَانِ جِيرَانَا
والظعن هو الترحال والتنقل الذي كانت تقوم به قبائل العرب، يصف جرير حزنه بعد فراق محبوبته، ثم يصف حال الناس الذين يشاهدون شدّة حزنه على فراق أحبته، فهم مختلفون بين باكٍ عليه ومسرور لحاله.
لوْ تعلمينَ الذي نلقى أويتِ لنا أوْ تَسْمَعِينَ إلى ذي العرْشِ شكوَانَا
ثمَّ يخاطب محبوبته فيقول: لو كنت تعلمين ما حلَّ بي بعد فراقك ولو كنت تسمعين شدّة ابتهالي ودعائي إلى الله.
كصاحبِ الموجِ إذْ مالتْ سفينتهُ يدعو إلى اللهِ أســـــــــراراً وإعلانا
يخاطب الشاعر محبوبته قائلا لها : لوتعلمين ما نلقى من الحزن لفراقك والعذاب أوتسمعين كيف أدعوا الله أن يحفظك في السر والعلانية لرجعتي إليّ مشبها نفسه وهو في تلك الحالة بصاحب سفينة الذي توشك سفينته على الغرق ولا ملجأ لديه إلا الدعاء لله
لا بارك الله في الدنيا إذا انقطعت أسباب دنياك من أسباب دنيانا
يدعو على هذه الدنيا بعدم البركة إذا غابت الحبيبة وإذا تقطّعت أسباب التلاقي بينه وبينها.
ما أحدث الدهر مما تعلمين لكم للحبل صرما ولا للعهد نسيانا
يقول الشاعر لمحبوبته أنه رغم الفراق ما زال على العهد فلم ينساها .
أبُدّلَ اللّيلُ، لا تسرِي كَوَاكبُهُ، أمْ طالَ حتى َّ حسبتُ النجمَ حيرانا
هل بدل الليل فأصبح طويلا ؟
كواكبه لا تتحرك ونجومه حائرة لا تتحرك؟
إنّ العُيُونَ التي في طَرْفِهاحَوَرٌ، قتلننــــــا ثــــــمَّ لمْ يحيينَ قتلانــــا
يَصرَعنَ ذا اللُّبّ حتى لا حَرَاكَبهِ، و هنَّ أضعـــــــــفُ خلقْ اللهِ أركانا
يصف جرير في هذين البيتين عيونَ حبيبته الحوراء الواسعة، التي تأخذ العقول وتقتل من شدة جمالها وتترك الناظر إليها كأنه ميت، مع أنَّها من أضعف ما خلقَ الله تعالى وأنعم وألطف.
يا حبذا جبلُ الريـــــــانِ منْ جبلٍ وَحَبّذا ســـــــاكِنُ الرّيّانِ مَنْ كَانَا
وَحَبّذا نَفَحَــــــــــــاتٌ مِنْ يَمَانِية تأتيكَ مـــــــــن قبلَ الريانِ أحيانا
يحدِّدُ جرير مكان حبيبته وموضعها، بأسلوب مدح، فيمدح جبل الريان وهو جبل قريب من اليمن سكنت فيه قبيلة المحبوبة ويمدح ساكن تلكَ المنطقة أيًّا كان، ثمَّ يشيد بنفحات ونسائم اليمن التي تأتي من جهة الرِّيان مكان إقامة المحبوبة مظهرًا شوقَهُ وحبَّهُ لها.