كتاب الإمارات تاريخنا للصف الثامن الفصل الثالث

عرض بكامل الشاشة

البيانات

كتاب الإمارات تاريخنا للصف الثامن الفصل الثالث 

مقدمة 

ظل سكان منطقة الإمارات يعيشون ويمارسون نشاطهم الاقتصادي بين المناطق الداخلية والساحلية. من ناحية أولى، لا يزال سكان دولة الإمارات يمارسون الزراعة والرعي في المناطق الداخلية مثل السهول والصحاری والجبال منذ آلاف السنين (انظر الفصل 3). في الماضي، كانت المدن الداخلية مثل مليحة توفر المحاصيل الزراعية والتمور التي احتاجها سكان دولة الإمارات، أما في العصر الحديث، تؤدي مدينة العين وغيرها من المدن الداخلية مثل الذيد هذا الدور الاقتصادي في دولة الإمارات العربية المتحدة من ناحية ثانية، مارست المدن الساحلية مثل أبوظبي، دبي، الشارقة،  الفجيرة ورأس الخيمة النشاط التجاري على طول الخليج العربي وحتى المحيط الهندي. ويمكن القول، كان هذا المزيج بين الواحات والجبال والبحر ولا يزال يشكل العمود الفقري للحياة والنشاط الاقتصادي في دولة الإمارات العربية المتحدة حافظت دولة الإمارات العربية المتحدة على هذا المزيج نفسه من النشاط الاقتصادي عبر تلك القرون الماضية وحتى ظهور الإسلام. وكما رأينا في (الفصل 10) كانت مليحة مركز النشاط الزراعي، وكانت تمارس التجارة مع مختلف مناطق شبه الجزيرة العربية. وفي الوقت نفسه، مارست المدن الساحلية مثل الدور وديا التجارة البحرية مع غيرها من الجزر مثل صير بني پاس، وبفضل هذا الاحتكاك، كانت كل مدينة ساحلية تستقبل البضائع والأفكار الجديدة القادمة من خلف المحيطات، لكنها كانت تحافظ على هويتها الوطنية القوية

مدينة الدور والخليج العربي 

كانت مستوطنة الدور تقع على ساحل أم القيوين على الخليج العربي بالقرب من الطريق السريع إلى رأس الخيمة اليوم مقابل بحيرة ضخمة كانت تتصل بالبحر مما جعل منها مرفأ طبيعيا للسفن، ومن المرجح أن القسم الأكبر من مدينة الدور كان بعيدا قليلا عن البحر نتيجة الخوف

 

لآلاف السنين، كان السكان يعيشون في مدينة الدور الساحلية وحولها في بيوت شيدوها من الحجارة التي كانت متوفرة في تلك المنطقة. وقد شهدت الدور زيادة في عدد سكانها ابتداء من العام 100الميلادي وفي ثمانينات القرن الماضي، وصلت بعثة من علماء الآثار إلى موقع الدور الأثري بحثا عن القطع المعدنية القديمة وخلال أعمال التنقيب، اكتشفوا بقايا تلك البيوت منتشرة لعدة كيلومترات على طول الساحل لاحظ علماء الآثار أن إثنين من المباني كانا يختلفان عن بقية المباني المكتشفة في مدينة الدور كان المبنى الأول يتكون من حصن مربع الشكل له جدران السميكة وابراج معبد في مدينة الدور دائرية كان يقطن فيه أحد زعماء القبيلة المحليين أما المبنى الثاني المذهل فقد كان معبدا مربع الشكل يبلغ طوله 83 م، وعرضه 8 م وارتفاعه 2 م تقريبا، ويكتسب أهميته من أنه المعبد الأول الذي يتم اكتشافه في دولة الإمارات العربية المتحدة. كنا قد تحدثنا في الفصلين 7 و 8) أن السكان كانوا يمارسون نوعا من الطقوس الدينية في أرجاء الإمارات في أوائل العصر الحديدي)، لكن علماء الآثار لم يتمكنوا من التعرف على المعابد" من بين المباني التي اكتشفوها والتي كانت تلك الطقوس تجري فيها، وهذا ما جعلهم يولون اهتماما كبيرا بهذا المعبد الذي اكتشفوه في مدينة الدور. 

شيد السكان هذا المعبد من الحجارة غير المصقولة التي كانت تتوفر آنذاك في تلك المنطقة
منظر لمعبد مدينة الدور وألبسوا الحجارة طبقة رقيقة جدا من الجص (الجبس) الأبيض مما جعل تلك الحجارة تشبه قطع الرخام الأبيض جميلة المظهر. كان مدخل المعبد يتجه جنوبا ويقف عمودان قصيران لهما شكل مربع على جانبيه، ومن المرجح أن هذين العمودين كانا | قاعدتين لنسرين تحتا من الحجارة تم العثور عليهما في مكان آخر من موقع الدور الأثري في داخل هذا المعبد، عثر علماء الآثار على مذبح حجري بسيط كان السكان يستخدمونه لتقديم الأضحيات للآلهة، كما عثروا على مذابح مربعة عديدة خارج المعبد مما يعني أن المنطقة المجاورة للمعبد كانت أيضا مقدسة كان يوجد على أحد هذه المذابح كتابة باللغة الآرامية تعنى بالتأكيد شمس، أي إله الشمس. وهذا ما جعل علماء الآثار يعتقدون أن ذلك المعبد كان مخصصا لإله
الشمس

كان سكان مدينة الدور يدفنون أمواتهم بطريقة مميزة لاتشبه المناطق الأخرى. فقد كانوا يدفنون الأشخاص الفقراء في حفر بسيطة، بينما كانوا يضعون رفاة الموتی الأغنياء في مدافن مرتفعة تتألف من حجرات مبنية من الحجارة المحلية يصل طولها إلى 3 أمتار، وكانوا يدفنون نصفها في الأرض، وينزلون إليها عبر درج، وهذا ما يجعل

 

وجبات جديدة 

لا شك أن أي سائح يزور دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم سوف يصاب بالدهشة من أنواع الطعام العديدة المتوفرة في المطاعم المنتشرة في كل مكان حيث سيجد نفسه أمام خيارات متنوعة بدءا من الوجبات السريعة  الغربية، إلى الأطباق الهندية والأوروبية، وانتهاء بوجبات من المطبخ الصيني، بالإضافة طبقا إلى المأكولات المحلية التي ظل سكان الإمارات يطهونها القرون عديدة باستخدام المنتجات البحرية واللحوم والخضار. وخلال ازدهار مدن مليحة والدور، توفرت بعض البهارات وغيرها من المكونات الأساسية في المأكولات المحلية لسكان الإمارات. من تلك المكونات نذكر على سبيل المثال الفلفل الأسود الذي كان يزرع في جنوب الهند، وأصبح جزءا أساسيا من التجارة بين الإمارات والهند في أوائل القرون الميلادية، وما يعزز هذا الاعتقاد أن علماء الآثار عثروا في مدينة برينس في جنوب محافظة البحر الأحمر بمصر، التي يعتقد أنها كانت على علاقة تجارية مع مدينة الدور، على وعاء يحتوي على 8 كلغ من قرون الفلفل الأسود من الهند والتي ربما وصلت عبر ميناء مدينة باتانام الواقعة على الساحل الجنوبي للهند، ورغم عدم وجود اکتشافات في دولة الإمارات تدل على ذلك، إلا أنه من المرجح أن سكان الإمارات قد تذوقوا الفلفل لأول مرة خلال تلك الفترة التاريخية كما سنحت لهم الفرصة لتذوق القرفة، وهي أحد أنواع البهارات الثمينة التي تزرع في سريلانكا، وكان سكان الإمارات يستخدمون هذه الأنواع من البهارات بالإضافة إلى اللحوم والخضار المحلية والأرز في طهي طبق المكبوس اللذيذ.

البحري لأجيال عديدة على طول خطوط التجارة البحرية الممتدة من الهند إلى إيطاليا وبالعكس ينقلون معهم بضائع غربية إلى مدن الإمبراطورية الرومانية لم تكن مألوفة لهم. ولابد أن هؤلاء البحارة قد حققوا ثروات طائلة من وراء تلك التجارة، وهذا ما أتاح لسكان مدينة الدور الحصول على البضائع المصنوعة من البرونز والسيراميك من قلب الإمبراطورية الرومانية مثل المعارف والمصافي والأوعية كما عثر علماء الآثار في موقع الدور على العديد من القطع النقدية القديمة مما يشير إلى استعمالها المتزايد في التبادل التجاري والتجارة عبر مسافات طويلة. وعثروا في الدور أيضا على عملة مملكة آبيل المسكوكة محليا التي ناقشناها في الفصل 10 بالإضافة إلى قطع نقدية أخرى مستوردة من مملكة ميسان في جنوب العراق، ومملكة الأنباط في شمال غرب شبه الجزيرة العربية وكذلك من روما. ولا شك أن قطعة نقدية ذهبية من روما هي لقيا ذات أهمية خاصة نظرا لندرتها في العالم القديم ولأنها تشير إلى العلاقات التجارية التي حافظ سكان مدينة الدور عليها مع عواصم الإمبراطوريات الكبرى آنذاك.
 

 

شارك الملف

آخر الملفات المضافة

أكثر الملفات تحميلا