مقتطفات من كتاب "رؤيتي .. التحديات في سياق التميز"
المقدمة : فخور بديني ووطني وأمتي
سألني أحد الصحافيين ونحن في العشر الأواخر من رمضان ، لو من الله عليك برؤية ليلة القدر فماذا كنت ستتمنى . أردت القول ، كنت أتمنى أن يعطي ربي القدير شأن الإمارات ويعز شعبها ويزيد خيرها لكني استوقفت نفسي لحظة وفكرت لحظات وقلت لو أني تمنيت كل هذا وأكثر منه لكل الأمة العربية فهل كنت سأحرم شعبي من أمنيتي وهو الجزء الإماراتي الألصق بالقلب من الكل العربي الذي يعيش فيه .
يقول الرسول الكريم ( صلی الله عليه وسلم ) : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وأنا أحب لإخواني وأخواتي في العروبة ما أحبه وأريده لإخواني وأخواتي في الإمارات ، أريد لهم الوصول إلى مستويات الدول المتقدمة ، أريد لهم أن يأخذوا بزمام الأمور ، أريد لهم الامتياز في كل شيء وأريد لهم الريادة هذا ما نحاول الوصول إليه في الإمارات ودبي عبر الإنجازات التي أعاننا الله على تحقيقها والإنجازات الأكبر التي تعمل على تحقيقها بإذنه تعالى ، وكل هذا يدعو إلى الفخر ، ولكن لن يكتمل الفخر ولا الاعتزاز ما لم يعم الخير و الإنجاز والامتياز كل العرب أكثر ما يحزنني هو حال هذه الأمة وأرى الحزن يزداد بسبب واقع محزن فيخففه التفاؤل بمستقبل سعيد وأقول لنفسي وللآخرين ، كل هذا اليأس والتشاؤم والخوف عابر عبور الغيمة الوحيدة في السماء الصافية ما يجمع العرب أكثر بكثير مما يفرقهم ونرى لدى أمم أخرى ما يفرقها عن بعضها أكثر بكثير مما يجمعها لكنها تسير في طريق الاندماج والتكامل
هذا التشتت العربي الدائم غير طبيعي .. فالطبيعي أن تكون كتلة واحدة لكن لن نستطيع تحقيق هذا الهدف إذا ظلت الصغائر تتصدر الكبائر وإذا ظل السلبي يتقدم الإيجابي ، وأزمة العرب اليوم ليست أزمة مال أو رجال أو أخلاق أو أرض أو موارد فكل هذا موجود والحمد لله ومعه السوق الاستهلاكية الكبيرة وإنما أزمة قيادة و أزمة إدارة و أزمة أنانية مستحكمة ، نعم إنها الأزمة الطبيعية التي يفرزها إعلاء حب كراسي الحكم على حب الشعب وتقديم مصلحة الفرد ومصيره على مصير الوطن ومصلحته ووضع مصالح الجماعات والشلل المحيطة بالقائد فوق مصالح الناس ، إنها تسخير الشعب لخدمة الحكومة بدلا من الوضع الطبيعي المعاكس .
أنا فخور بديني وفخور بوطني وفخور بأمتي فخور بقائدي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يرحمه الله وفخور بوالدي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وبشقيقي الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم يرحمهما الله وفخور بشقيقي وبأسرتي وبجميع بنات وأبناء الإمارات وأبناء وبنات الأمة العربية في كل مكان .
إن تجربتنا المتميزة في الإمارات مثال على ما يمكن أن يتحقق عندما يكرم الله وطنا بقيادة تحب الخير لشعبها وتعمل له لا لنفسها وتسهر على مصالح المجتمع لا على مصالح المجموعة ، إن المصداقية في هذا الشأن تكون بالعمل لا بمجرد القول وهذا يبرز الفارق الكبير بين قيادة تعتبر شعبها ثروة الوطن الحقيقية وبين قيادة أخرى تعتبر شعبها العبء الحقيقي ، إنه يبرز اختلافا كبيرا أخر بين قيادة تحب شعبها وشعب يحب قيادته وبين قيادة تخاف شعبها وشعب يخاف قيادته رؤيتنا جلية وأهدافنا واضحة وطاقاتنا كبيرة وعزمنا قوي ونحن مستعدون ، نريد دبي أن تكون مركزا عالميا للامتياز والإبداع والريادة وإننا قادرون على تحقيق الامتياز والإبداع والريادة بدعم قيادتنا بإذن الله ، نريد دبي أن تكون المدينة العالمية الأولى للتجارة والسياحة والخدمات في القرن الواحد والعشرين لأننا قادرون على توفير الهياكل المتطورة والبيئة المثالية التي تمكنها من القيام بهذا الدور ، نريد دبي أن تكون الأولى في الأمن والأمان وسرعة النمو والثقة التي نحرص على تعزيزها والحفاظ عليها في الأوساط المالية والتجارية والاستثمارية والصناعية الإقليمية والدولية ولن ترضى دبي عن المركز الأول بديلا .
وكل المطلوب لتحقيق هذه الأهداف أن نقود الشعب في الطريق الصحيح وننمي في بناته وأبنائه روح الابتكار والإبداع والثقة بالنفس والتصميم على الإنجاز والقدرات القيادية ، من يقود من رأس الهرم سيقود رأس الهرم وما هكذا تصنع التنمية المتميزة ، إذن يجب على القائد أن يستخرج القيادات من شعبه لأن جهد التنمية جماعي ويتطلب قيادة جماعية وإذا أحسن القائد الاختيار فإن هذه القيادات ستسير معه في الطريق الصحيح وستجمع جهدها إلى جهده وعندها فقط سنصل إلى الوجهة التي نريدها .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " الدين النصيحة ، قلنا لمن ، قال الله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " . وورد في الحديث الشريف أيضا ، عن جرير بن عبدالله قال " بايعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ". وغايتي من هذا الكتاب النصيحة وتقديم تجربتنا المتواضعة لإخواننا أملا في أن تعينهم لأن حرصنا على مساعدتهم على تحقيق التنمية المتميزة كحرصنا على أنفسنا ، والخطأ والصواب مبدأ مناسب للتوصل إلى النتيجة الصحيحة في المختبرات لا في المجتمعات لأننا نتعامل مع البشر فينبغي أن تختار التجربة التنموية الناجحة والمنهج العلمي الذي يمكن تطبيقه في أي دولة عربية لأننا طورناه في دولة عربية لشعب عربي يربطه بقاطن المغرب في الدين واللغة والتاريخ والتطلعات أكثر مما يربطه بأي عرق آخر يعيش قرينا .
إيقاع تطورنا متلاحق وخططنا التنموية طموحة ونتحرك بسرعة على جبهات تنموية عدة ونتعلم باستمرار لكن النصح لا يكون بالعموم أو بما لا يقدر الناس عليه ، الفشل معلم كبير لكن ليس عندنا وقت نتعلم من فشلنا لأننا لسنا ذوي تجربة في الفشل وكل ما تعلمناه في هذا الإطار جاء من فشل تجارب الآخرين وأنا أريد أن أجنب إخواني عناء التعلم من تجارب الفشل وأقدم لهم بكل أخوة ومحبة وتواضع تجارب النجاح عسى أن يكون الرجوع إليها طريق تعزيز النجاح الذي نتمناه لهم .
كل الإنجازات التي تحققت في الإمارات إنجازات للعرب جميعا وكل مشاريع دبي للعرب جميعا وسيتصدر هذا الاعتبار تفكيرنا في كل المشاريع التي ستنفذها في المستقبل ، وهذه كل تجاربنا وخبراتنا نضعها بين أيديهم يختارون منها ما يشاءون وفوقها التزامنا الأخوي بتقديم كل العون الذي نستطيع تقديمه لمساعدتهم على تحقيقها .
كل متطلبات صنع التنمية العربية المتميزة موجودة اليوم وأنا واثق من صنعها ومن قدرة العرب على العطاء والإنجاز . هذه التنمية المتميزة كانت حلما في الماضي ثم تجد الحلم في رؤية صنت الدولة العربية الكبرى ثم انتكست الرؤية و عدنا إلى الحلم الأول وأعتقد أن هناك فرصة الآن لكي يفيق الحلم من غفوته ويصيح رؤية مرة أخرى رغم كل شيء . كيف لا أريد أن أبدأ بشيء لا أستطيع استكماله في هذه المقدمة لذا سأترك لهذا الكتاب مهمة الإجابة عن هذا السؤال .