كتاب الجزر الثلاث المحتلة اجتماعيات للصف الحادي عشر الفصل الأول
تقديم
تسببت النزاعات على الأراضي عبر التاريخ بتأجيج التوترات بين الأمم. ومن بين هذه النزاعات النزاع على جزر ثلاث صغيرة ذات أهمية استراتيجية في الخليج العربي، وهي: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وهو النزاع الذي ظل متواصلا في هذا الجزء من الشرق الأوسط. لقد تعرضت هذه الجزر الثلاث، التي تبعت إمارتي الساحل المتصالح الشارقة ورأس الخيمة وتتبع الآن دولة الإمارات العربية المتحدة، لمطالبات من طرف فارس وإيران في عهد الأسرة البهلوية ثم من طرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبسبب الموقع الاستراتيجي للجزر في مضيق هرمز والتهديدات الواسعة الناجة عن احتلال إيران لها، فإن أمن واستقرار منطقة الخليج سيظل أمرا هشا في غياب تسوية فاعلة هذا النزاع، وسيظل الأمل في التوصل إلى بنية أمنية دائمة بعيد المنال.
يستعرض هذا الكتاب الحقوق القانونية والسيادية الأساسية لدولة الإمارات العربية المتحدة في الجزر، مسلطا الضوء على سياسة القوة التي هيمت على السياسة الإقليمية والعلاقات الدولية. فدولة الإمارات العربية المتحدة الواقعة في جنوب الخليج دولة ذات مساحة جغرافية صغيرة وعدد محدود من السكان وحديثة العهد نسبيا، إذ أعلن عن قيامها في عام 1971، غير أنها أثبتت للعالم أن اتحادا فاعلا ومزدهرا في هذا الجزء المضطرب من العالم أمر ممكن وغاية منشودة.
وفي الوقت نفسه، فإن الإمارات السيع التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة تملك تاريخا غنيا وثقافة ثرية مبنيين على العلاقات السلمية وطرق التجارة المفتوحة مع جيرانها كافة. وقد سعت دولة الإمارات العربية المتحدة على الدوام إلى بيئة إقليمية مستقرة وسلمية لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الخليج العربي، مع رفض الحلول العسكرية بشكل تام لأي من مشكلات المنطقة. وهذه الفلسفة السلمية هي التي حددت منهجية الدولة في التعامل مع قضية الجزر، وقد ارتكزت عليها جهودها المبذولة عبر القنوات الدبلوماسية والمنتديات الإقليمية والدولية، والرامية إلى إعادة السيادة عل الجزر إلى أصحابها الشرعيين، أي الإمارتين اللتين تشكلان مع الإمارات الأخرى دولة الإمارات العربية المتحدة.
إن الوقائع التاريخية المتاحة تقدم أدلة قاطعة وحاسمة أن الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، تتبع دولة الإمارات العربية المتحدة. غير أن إيران قد تغاضت عن مثل هذه الأدلة، رغم أهيئها، مدعية أحقيتها بهذه الجزر بسبب أهميتها الاستراتيجية. إن احتلال إيران للجزر بالقوة عشية قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ورفضها قبول أية مفاوضات ثنائية، أو وساطة إقليمية، أو تحكيم دولي لتسوية هذه القضية قد أثار مخاوف أمنية مبررة في المنطقة فيا يتعلق بخطط الهيمنة الإيرانية المحتملة والاستخدامات العسكرية المحتملة للجزر للسيطرة على الملاحة في الخليج وربما تعطيلها.
وفي ضوء أهمية هذه القضية كلف مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية د. توماس ماتير، أستاذ العلوم السياسية والحاصل عل درجة البكالوريوس من جامعة هارفرد وعل درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في بيركل، للقيام بدراسة بحثية دقيقة حول هذه القضية، وقد اشترك معه في إعداد هذه الدراسة باحثون من إدارة الدراسات الاستراتيجية في المركز. وقد استفاد د. ماتير من خبرته الواسعة السابقة، بما في ذلك فهمه العمق لمنطقة الخليج العربي واهتامه بأن يتم التوصل إلى تسويات لنزاعات الماضي. ولعل أهم مساهمة له في هذا الكتاب هي الجهود المضنية التي بذلها لجمع المواد المرجعية المختلفة والمقارنة بينها لإعطاء صورة شاملة قدر المستطاع عن القضية. وتتضمن هذه المواد الوثائق والسجلات الأصلية لوزارتي الخارجية الأمريكية والبريطانية، كما تتضمن الدراسات الأكاديمية الفرعية والآراء القانونية، فضلا عن مقابلات شخصية مكثفة شخصيات رئيسية ومعلقين مهمين. وقد أثمرت هذه الجهود
مقدمة قضية الجزر: نظرة عامة
تعد جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى صغيرة في مساحتها، إلا أنها ذات أهمية استر اتيجية بالغة لوقوعها على امتداد الطريق الضيق الذي يعبر الخليج العربي» نحو مضيق هرمز ومنه إلى خليج عمان. كما أن معظم صادرات الخليج النفطية ووارداته غير النفطية تمر عبر هذا الطريق، فضلا عن السفن التي تدخل الخليج العربي وتخرج منه. وعلاوة على ذلك، فإن عددا من حقول النفط والغاز البحرية تقع على مقربة من الجزر الثلاث، مما يعطي هذه الجزر أهمية اسشنائية بالنسبة إلى أي قوة تسعى إلى حماية الملاحة البحرية والحقول البحرية في هذه المنطقة أو مهاججتها. وفي ضوء هذه الأهمية الاستراتيجية لوقع الجزر الثلاث، يبدو ضروريا أن نقدم وصفا دقيقا لتاريخ الجزر وأن نفهم دورها في سياق الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة الخليج العريي. ونسعى من خلال هذه الدراسة الشاملة إلى تقديم مثل هذه الخلفية والتوسع في مناقشة القضايا المهمة المتصلة بالجزر الثلاث. وإننا واثقون من أن هذه الدراسة ستكون مفيدة لصناع السياسات والقانونيين ومسؤولي المنظمات الدولية والباحثين في الشؤون الدولية بل وكل المعنيين باستقرار منطقة الخليج العربي.
هذا وقد قسمنا الكتاب إلى أربعة أقسام رئيسية، حيث يركز القسم الأول على تاريخ الجزر، وسبل استغلاها، وهوية قاطنيها والفترة الزمنية التي سكنوا فيها الجزر. أما القسم الثاني فيتناول الجدل القانوني المتعلق بالمطالبات والمطالبات المقابلة بالسيادة على الجزر من الجزر الثلاث المحتلة لدولة الإمارات العرية الححدة: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى قبل دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران، وأسس إثبات الحق في ملكية الجزر. ويناقش القسم الثالث التداعيات الإقليمية للوجود الإيراني في الجزر، وردود فعل العالم العربي على السياسات الإيرانية في عهد الشاه ومنذ إقامة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أما القسم الرابع فيتطرق إلى مصالح وأدوار ومسؤوليات المنظات الدولية والدول الرئيسية التي الكتاب بمراجعة تحليلية للأهمية الاستراتيجية للسلم والاستقرار في تقودها. ونختم منطقة الخليج العربي، بالنسبة إلى المنطقة والعالم على حد سواء، والأهمية الناجمة عن تسوية النزاع بشأن الجزر. وفيا يتعلق بأمن الخليج، فمن المرجح أن تبقى قضية الجزر قضية قابلة للانفجار إذا ما تركت دون تسوية.
المنهجية
بذلت جهود دؤوبة لمعاينة كل صغيرة وكبيرة في المصادر المتاحة حول القضايا المتعلقة بالجزر. وقد استعنا بالوثائق الأساسية والدراسات الأكاديمية الفرعية والآراء القانونية والمقابلات الموسعة في إعداد هذه الدراسة التي مهدف إلى تسليط الضوء على نزاع دولي له أهميته البالغة وإن كان مهملا نبيا. ولعل أهم مجموعة منشورة من الوثائق الرئيسية المستخدمة في إعداد هذه الدراسة هي المجموعة الثانية من وثائق الحكومة البريطانية المنشورة ضمن سلسلة جيوبوليتيك الجزيرة العربية Series Geopolitics Arabian تحت عنوان الجزر الواقعة في جنوب الخليج: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، والتي حررها ي إل توي. وتتألف هذه المجموعة من ستة مجلدات وتضم ثلاثة آلاف صفحة من وثائق مكتب الوثائق العامة ومجموعة وثائق وزارة الهند والشرق في المكتبة البريطانية، والتي تغطي الفترة الممتدة من بدايات القرن التاسع عشر وحتى عام 1962. وقد خضعت المجموعة المذكورة لقانون الرؤية وعدم النشر لمدة ثلاثين عاما قبل نشرها عام 1993، وكان عام 1962 آخر عام توافرت بشأنه وثائق بريطانية.
كما توافرت وثائق جديدة تخص الحكومة البريطانية عن الفترة 1961 - 1965، وقد استعنا بها في السلسلة المعنونة: الحدود العربية: وثائق جديدة، وتقع هذه المجموعة في عشرة مجلدات وخمسة آلاف صفحة، وتولى تحريرها ريتشارد شوفيلد وتم نشرها خلال الفترة 1993- 1997. كما تم نشر وثائق إضافية خاصة بالحكومة البريطانية في عام وقد استعنا بها في سلسلة وثائق الإمارات: 1966 - 1971، وتقع هذه المجموعة في ستة
مجلدات وقام بتحريرها أيه إل ي بيرديت، وتضم المراسلات والمذكرات والاتفاقيات الرسمية المبرمة بين المسؤولين البريطانيين والعرب والفرس والإيرانيين منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى بداية سبعينيات القرن العشرين. وقد أشرنا إليها مرارا في الهوامش الخاصة بالقسم الأول من الكتاب المخصص لتاريخ الجزر، بحيث يتمكن القراء من الاطلاع على مجموعة شاملة ومتوافرة من المواد الرئيسية ذات الصلة في كل مرحلة من الرواية التاريخية المستمدة من هذه المصادر. وقد تثبت أهميتها خاصة بالنسبة إلى المحامين الدوليين الذين يسعون إلى التحقق من الأدلة المينة في القسم الثاي حول المطالبات القانونية لدولة الإمارات العربية المتحدة وإيران حول الجزر.
وعلاوة على ذلك، فقد محصنا آلاف الوثائق التي تغطي الفترة 1965 - 1973 بعد الحصول عليها من مكتب الوثائق العامة في بريطانيا، ومكتة وثائق وزارة الهند، ومكتبة الكونجرس في العاصمة الأمريكية واشنطن، والأرشيف الوطني في كوليدج بارك في ولاية ميريلاند الأمريكية. ومن الصعب عل القارئ حقا أن يصل إلى هذه الوثائق لأنه قد تم الإفراج عنها في الفترة الممتدة بين 1997 وكانون الثاني/ يناير فحسب، بعد خضوعها لقانون السرية وعدم النشر، وعليه فإنها لم تجمع كاملة في مجلدات منشورة.