كتاب بقوة الاتحاد للصف الثاني عشر الفصل الأول 2021-2022

عرض بكامل الشاشة

البيانات

كتاب بقوة الاتحاد للصف الثاني عشر الفصل الأول 2021-2022

كتاب بقوة الاتحاد للصف الثاني عشر الفصل الأول 2021-2022

مقدمة 

يحمل التاريخ الإنساني بصمات راسخة تركتها شخصيات فذة، بفضل ما حباها الله من عزيمة قوية وبصيرة نافذة، علاوة على إيمانها الكامل الذي لا يتزعزع بالرسالة الإنسانية الملقاة على عاتقها. وقد استطاعت هذه الشخصيات أن تجتاز مراحل تاريخية مليئة بالأحداث والتحديات، والأهم من هذا أنها خلقت لشعوبها صلة وثيقة في هذا العالم المتغير دوما بين مافي شهده الإنسان وعايشه، ومتقل يجهله ولكن لا مفر منه . وعبر تاريخ البشرية المدون منه وغير المدون فإن قليلين قد أدوا مثل هذا الدور، ولنا أن نقول إن عالمنا المعاصر لم يعرف إلا أفرادا معدودين من هذه النوعية. 

وبكل موضوعية يعد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان أل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة أحد هذه الشخصيات الفريدة؛ فمن ناحية يعتبر زعيما يحظى بالاحترام والتقدير الكبيرين، ومن ناحية أخرى فهو رائد التطور والتحديث، إذ استطاع أن ينجح في تحقيق نقلة جبارة لمجتمعه وأبناء دولته، من حياة تقليدية صعبة في الماضي غير البعد إلى عهد من التطور والرخاء غير المسبوق. وفي حين اصطبغ ماضي دولة الإمارات بصبغة المصالح القبلية المتعارفة التي أدت إلى اندلاع العديد من الحروب ونشوب الكثير من المنازعات وخلق خصومات، فإننا نرى اليوم دولة موحدة تحيا في استقرار وأمن يجعلها نموذجا يحتذى. ولنا أن نعتبر إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 الإنجاز السياسي الأكبر الذي ترج ميزة عمل صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان . 

والمدهش حقا أن المرحلة الانتقالية السريعة على مدى الأعوام الأربعين الماضية، وما حدث خلالها من تطورات وتغيرات اجتماعية على الصعد كافة قد قامت في إطار من الوئام التام تقريبيا دون زعزعة للاستقرار، أما في معظم التجارب الأخرى فإن المجتمعات التي مرت بتغير كبير في فترة وجيزة قد شهدت نزاعات أهلية، وما أكثر الأمثلة التي يقدمها لك التاريخ في هذاالسياق، لكنه في إمارة أبو ظبي، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة لاحقا، تم تجنب هذه المخاطر بفضل بعد النظر الذي تميز به الشيخ زايد والجهود المضية التي بذلها، وقدرة سموه التي تستحق الثناء والتوقف عندها لتأمل أبعادها؛ نظرا لأنه نجح في التوفيق بين الثنائيات التي تبدو متناقفة؛ كالتوفيق بين المتطلبات المتعارضة للقبيلة والدولة، والإمارة والاتحاد، والتراث والمعاصرة. ومما لا ينسى بهذا الصدد أنه سلك طريقا شاقا وطويلا من أجل تحقيق الوحدة الوطنية من خلال السمة الاقتصادية والتكافل الاجتماعي، وهي الجهود التي توجت بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 . 

ومن أجل أن تستوعب أجيال الحاضر والمستقبل طبيعة الإنجازات التي حققها الشيخ زايد وتتفهمها تفهما واعيا، لابد من أن تنظر إلى إنجازاته من منظورين أحدهما إقليمي والآخر عالمي، بحيث تقارنها بمحاولات الآخرين لانشاء دول اتحادية، والتي نجح بعضها وفشل بعضها الآخر. واللافت للنظر في التاريخ الحديث لدولة الإمارات العربية المتحدة ليس فقط أنها تمثل المحاولة الناجحة الوحيدة لإقامة اتحاد في الشرق الأوسط برمته، أو أنها تحققت دون إكراه أو عنف فحسب، وإنما هو كون الاتحاد قد اكتسب شرعية شعبية لم تتحقق لكثير من التجارب الأخرى. وقد شكلت الشخصية القيادية الكاريزمية للشيخ زايد، وإصراره على المحافظة على القيم الأصيلة في الحكم والمجتمع، والتزامه العميق بالارتقاء بالمستوى المعيشي لأبناء شعبه، شكلت كلها الأساس الراسخ لهذا النجاح 

لقد كتب الكثير عن حياة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان أل نهيان رئيس الدولة، غير أن هذا الكتاب يقدم منظورا جديدا؛ فقد اعتمدت الكتب المنشورة سابقا عن حياة صاحب السمو إلى حد بعيد على نطاق محدود من المصادر، بل إنها مثلت في الغالب وجهة النظر الشخصية لمؤلفيها، في حين افتقر بعضها الآخر إلى الأسس الأكاديمية السليمة. " إن المنهج العلمي المتبع في هذا الكتاب هو أول ما يجعله متميزا عن معظم الكتب الأخرى المنشورة، وكان الهدف منذ البداية تقديم كتاب موثق عن شخصيته وإنجازاته، وتقديم دراسة علمية تضاهي ما كتب عن زعماء العالم المعاصرين. وليس الغرض من هذا الكتاب أن يكون رواية تصف الأحداث والوقائع التاريخية يوما بعد يوم، بل يهدف الكتاب من خلال الاسشراء العميق للوثائق المتاحة، وإعادة تقويم مجريات الأحداث إلى فهم الدور المحوري لصاحب السمو الشيخ زايد وتحليله وإدراك أبعاده من خلال دراسة قراراته وفلسفته ومنهجه. 

يمثل الكتاب محاولة علمية جادة لدراسة الأوجه المختلفة للحياة الشخصية والحياة السياسية لصاحب المو الشيخ زايد من خلال منهجية تاريخية واضحة، دون أن ننسى أبدا أن الشخصية التي يدور حولها الكتاب شخصية عريية ملهمة، تشكلت في ظروف اقتصادية واجتماعية مختلفة تماما عن تلك السائدة في أرجاء أخرى من العالم. غير أن هذه المنهجية قد طورت آليات لجمع الأدلة التاريخية وتقويمها بطريقة تمكن من تحليل الأسباب الكامنة وراء الإنجازات العظيمة لصاحب السمو الشيخ زايد. وبالطبع فقد دون الكثير حول حياة ومسيرة الشيخ زايد، كما بذلت جهود منهجية في دولة الإمارات العربية المتحدة للتثبت من المراجع التاريخية الموثوقة، إلى جانب مراجعة وتحليل خطاباته وتصريحاته الرسمية بشأن القضايا المحلية والإقليمية والعالمية. ورغم أن ما تم تدوينه سابقا يسجل إنجازات صاحب السمو الشيخ زايد، كما يسجل تواريخها عادة، فإنه لم يفر الحنكة الياسية الفذة التي أظهرها في قيادة شعبه نحو الحداثة، كما أنه يوضح دوافع الشيخ زايد إلى انتهاج سلوك سياسي معين أو سياق ذلك الغالب السلوك السياسي وثوابته ودلالاته . 

ويمثل هذا الكتاب أيضا رؤية تحليلية جديدة لجوانب معينة من تاريخ المنطقة وأحداثها التي تركت أثرا في شخصية صاحب السمو الشيخ زايد، كما تمثل هذه الدراسة الأكاديمية امتدادا للدراسات التاريخية التي تبحث في تأثير شخصية الحاكم وممارساته في مصير أمته، وهي المنهجية التي بادر إلى تطويرها المؤرخون العرب والمسلمون في القرون الوسطى، ومتهم الطبري وابن كثير وابن حلدون. ويدو مهما أن نعيد التأكيد 
على تطور مفهوم التاريخ تطورا كبيرا باختلاف الزمان والمكان، فقد تجاوز هذا المفهوم مجرد رصد أحداث الماضي، إلى تفسير هذه الأحداث للجيل المعاصر وجيل المستقبل، وقد اعتمدنا المنهجية البحثية أثناء إعداد هذا الكتاب . 

لقد انطلقت فكرة هذا الكتاب من إيمان مشترك بين كل المعنيين بأن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة وما حققته من تطور مشهود هو حدث بالغ الأهمية، وخاصة في تاريخ منطقة الخلج العربي. وقد يعلق أحدهم على ذلك بقوله إن ذلك التطور المشهود إنما تحقق لأن دولة الإمارات العربية المتحدة دولة غنية بالنفط، غير أن قولا كهذا ينم عن رؤية متعجلة لا تحاول النفاذ إلى جوهر الأمور، وخاصة لو أخذنا في الاعتبار مدى ما تخقق من إنجازات سياسية واجتماعية واقتصادية، فضلا عن حقيقة أن من يستعرض تاريخ الأمم يرى أن الصراعات والحروب بين الجماعات الإثنية والثقافية يمكن أن تحول دون تحقيق أي شكل من أشكال الوحدة الفعالة. ومن المؤكد أن من يعرض تاريخ المنطقة والأوضاع التي كانت سائدة عند انسحاب القوات البريطانية منها يلاحظ أن فرص قيام اتحاد فعلي لم تكن كبيرة، وفي أوضاع كهذه تبرز الحاجة إلى قوة حافزة تتمثل في زعامة ملهمة تستطيع أن تحول حلم الوحدة إلى حقيقة ملموسة. 

والأمر الذي تبدى لنا شيئا فشيئا أثناء إعداد هذا الكتاب هو الخط السياسي الثابت الذي التزم به صاحب المو الشيخ زايدبن سلطان آل نهيان عبر تاريخ أبوظبي ومراحل تطورها، وصولا إلى مولد دولة الإمارات العربية المتحدة وتقدمها. ومن غير الممكن كما أن من الخطأ تاريخيا أن نتظر إلى التنمية التي شهدتها أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة بمعزل عن الرؤية السياسية المثالية الشاملة لصاحب السمو الشيخ زايد؛ وقد ظهرت هذه الرؤية الخاصة لصاحب السمو رئيس الدولة جلية في اهتمامه الدائم بتحقيق الرفاهية الاجتماعية، وانشغاله بصياغة مفهوم متكامل للوحدة السياسية، واهتمامه بالبيئة والموارد الطبيعية. هذه العناصر الثلاثة في سياسة صاحب السمو الشيخ زايد نمت بطريقة نظامية ومترابطة مع مرور الوقت، لذا يظل الكتاب دراسة تعليلية للمنهج السياسي للشيخ زايد أكثر منه سيرة له، وإن كان يحتوي على العديد من التفاصيل الشخصية الخاصة به. وعلاوة على ذلك يتوقف الكتاب عند قدرة صاحب السمو الشيخ زايد المحنكة على القيادة، ومهاراته السياسية المتأصلة، وعزمه الذي لا يلين على تحقيق الوحدة والتنمية السلمية، ولذلك يمكن القول بأن إنجازات صاحب السمو الشيخ زايد تضعه في مصاف الزعماء العظام الذين نجحوا عبر التاريخ في بناء أممهم. وعلى الرغم من استمرار التجربة الاتحادية والعطاء المتجدد لصاحب السمو الشيخ زايد بحوثه المعهودة، فإن هذا لا يتعارض مع محاولة تقوم التجربة بمراحلها المختلفة  والوقرف على أهم محاورها؛ فمن المعتاد أن يكرم عظماء الفن بإقامة معارض 



 

شارك الملف

آخر الملفات المضافة

أكثر الملفات تحميلا