كتاب اللغة العربية الصف الحادي عشر الفصل الثالث

البيانات

كتاب اللغة العربية الصف الحادي عشر الفصل الثالث 

قصة قصيرة: صور خارج الإطار 

- لماذا تعلقيتها في غرفتك إذن؟ 

- لتقوي ذاكرتك النساية. 

أريد أن أسمع أكثر، لأن الغرف الخالية في ذاكرة طفولتي، ل گل حديث عن طفولتي أسمعه من أمي كان يؤلمني، ويتخلف عندي إحساسا بالغربة 

گنت مثل من يقف خلف النافذة، ليتأمل الآخرين محاولا أن يتذكر أن رآهم من قبل، قبل أن يكتشف أنه أحد الموجودين بينهم، يشاركهم المكان والكرسي والحديث والضجك، وأن الواقف خلف النافذة هو الذاكرة المفقودة 

بعدها بسنوات عندما ضقت ذرعا بأحاديث صديقاتي عن ألعابه المفضلة وعن الحماقات الصغيرة التي ارتكبها، ونلت عليها العقاب وعن صياحات حافلة بأمراض مختلفة کي یكسبن ساعات إضافية من النوم، ويتهربن من المدرسة، وعندما امتلأ رأسي بحكایات میسون ما تملؤنا معا في سيارتها عن طفولتها وحصص الموسيقا التي كانت تذمنها وكتب الأطفال التي قرأتها قبل أن تشاهد أفلام ديزني).. 

بدأت أشعر بغير حقيقية من شأنها أن تجعلني أمسك رأسي بكلتا يدي، وأبكي. لم يعد خالد منافسا، أغار منه، بل كان أخا غائبا عن المنزل وعن أحاديثي مع الصديقات وعن حياة أمي وأبي. كان مصدر غيرتي الجديدة هو تلك الأحاديث المليئة بعوالم، لا أثر قدمي فيها

قال لي أستاذ علم النفس في الجامعة إن هذا يحدث للبعض، يفقدون ذاكرة طفولتهم لأسباب عديدة منها أن الطفل تعرض لحالات متكررة من قمع المشاعر في فترة مبكرة من عمره، أو لأنه لم يأخذ كفايته من اهتمام أمه بسبب مواليد أخرى تلته مباشرة، أو لأنه كان غرضة لحوادث تريد الذاكرة إلغاءها تماما، وأكد لي أن الحالة تعتبر نوعا من أنواع فقدان الذاكرة (فقدان الذاكرة الطفولية)، قال ذلك، وانتظر ردة فعلي. 

خجلت آنذاك من طرح السؤال بذلك الشكل المباشر، وحاول أن أبعد التهمة عن ذاکرتي قلت إن الأمر بالنسبة لي ليس غيابا تاما لأحداث الطفولة فأنا أتذكر بعض الحوادث الصغيرة، وبعض الأشخاص الذين لم يعد لهم وجود الآن، وأتذكر بيتنا القديم والنخلة العملاقة في الفناء وبعض جيراننا، وقد نظر إلىي وابتسم قائلا: أنتي إذن تتذگري أغلب الأمور تقريبا فلا تكوني طماعة. دعي فسحة لما سيأتي من أحداث لا أدري هل قال ذلك لأنه صدق دفاعي عن ذاكرتي أم لأنه كان يحاول مداواتها، لكنني عندما عدت إلى غرفتي حاولت أن أعصر ذهني؛ لتسقط منه قطره ذکری حقيقيه واحده تخمم بيتنا القديم أو النخلة العملاقة أو أحد وجوه الجيران..

صمتت أمي تفكر برهة، وتمعن في ملامح وجهها الجميل، لأصب نقمتي مثل كل مرة على الحظ الذي جعلني لا أشبهها في شيء. قال، وكأنها لا تريد إنهاء الموضوع: نعم، كانت إحدى رجليها أقصر من الأخرى. 

عندما استدرت عنها بعد ذلك لا بد أنها تساءلت بينها وبين نفسها: كيف استطعت أن أتذكر عاهة المرأة وهدية زجاجة العطر الصغيرة، وأنا لا أكاد أغرقها، لأننا غادرنا حينا القديم، وأنا لم أتجاوز السادسة، لا أتذكر يومي الأول في المدرسة ولا ثواني المدرسة الأولى ولا حتى مدرساتي ولا صديقاتي ولا شكل مبنى المدرسة ولا أول صورة، التقطت لي في الاستديو بعدسة مصور محترف، وبدت أكثر وضوحا وأقل عفوية من الصور المنزلية الأخرى، وفيها أجلس بقامة صغيرة ممتلئة وعينين عسليتين واسعتين ووجه دائري، نصفه ابتسامة متكلفة محاط بشعر لامع على شكل جديلتين قصيرتين معقودين في نهايتهما بشرائط بيضاء. أنظر إلى الصورة المعلقة في غرفة أمي، وأقسم بأني لا أتذكرها 

- لا أتذكرها، يا أمي، لماذا لا تصدقيني؟ إني لا أتذكر أيضا حتى السنوات اللاحقة للصورة.

أحيانا أتخيل صوتها يأتي من وراء ضباب كثيف، ليمعن في تذكيري، ولكن على طريقتي: لك أنت من أصر على التقاط هذه الصورة على الرغم من أنني گنت ضد خروجك إلى (الأستديو)، وأنت محمومة. كانت حرارة مرتفعة، وكنت تهذين في نومك في الليلة التي سبقتها، ومع ذلك كنت مصرة على مرافقة والدك وأخيك إلى (الأستديو)؛ لأن كنت طفله غيور جدا. لم يكن من الممكن أن تؤخذ صوره لخالد دون أن تزاحمیه علی كرسي التصوير. أنظري إلى أثر الحمى على خديك وعيني. 

أحيانا تكون الرواية هكذا: لقد التقط لك هذه الصورة صديق والدك الأجنبي الذي كان قد فتح (أستدیو) جديدا، وأراد التبرك تصوير الطفلة الجميلة كما كان يطلق علي. 

وأحيانا كان الحديث مغايرا تماما، فتقول أمي: لأن يوم الصورة كان أول أيام العيد، وقد وافق عيد ميلادك الخامس، وكنت راغبة في أن تلتقط لي صورة بفستان الأخير الجديد. أما خالد الذي كان في مثل عمري تقريبا، والذي يزاحمني أحلامي الليلية، فربما تذكر يوم الصورة بكثير من تفاصيله بما في ذلك مرورنا مع أبي على المحل الصغير الملاصق (للأستديو) لشراء بعض الحلويات ومجلة (ماجد). 

- بعد گل ذلك الإصرار على الذهاب لم تعجبني الصورة عندما رأيتها، وصارت مصدرا لغضب لما أردنا أن نريها أحد أقاربك.

 

مقال: الاقتدار الإنساني وبناؤه

في أثناء قراءة النص

اقرأ المقال قراءة صامتة، وسجل على جانبيه الفكرة التي حازت على تأييدك، وحماستك لشرحها لزملائك بالتفصيل

الاقتدار الإنساني وبناؤه

يشكل مفهوم الاقتدار الإنساني أحد المحاور الكبرى لعلم النفس الإيجابي، ويتكون الاقتدار الإنساني من عدد من المقومات على مختلف ضد خصائص الإنسان وسلوكه، و إدارته لوجوده. كما أنه يمثل الوجه النقيض لحالات الاضطراب والقصور والعجز التي اهتم بها علم النفس المرضي. ويشكل بناء الاقتدار إحدى الغايات الكبرى لعلم النفس الإيجابي 

تعني المفردة الإنجليزية Human Strengths: الصفة أو الحالة من كون الشخص أو الشيء قويا، بمعنى القدرة على التأثير أو التحمل. كما تعني درجة قوة التأثير أو التركيز. وكلها تصب في الدلالات التي تستخدمها في علم النفس الإيجابي. أما عربيا فيرد في قاموس (محيط المحيط) أن (اقتدار) من الفعل اقتدر بمعنی جمعه واستوعبه وأمسك به. والقدرة هي القوة على الشيء والتمكن منه، ومنها اقتدر عليه أي قوي عليه وتم منه. وهذا المعنى الدقيق الذي تستخدمه في هذا المقام 

ولقد ملنا إلى اعتماد صيغة المفرد بدلا من صيغة الجمع؛ لأننا نهدف إلى الحديث عن عملية بناء حالة گيانية لدى الإنسان يمكن تلخيصها في تعبير «التمكين الوجودي» في مقابل القهر والهدر الذين يشكلان الممرضين المؤمنيين الذين فرضا على الإنسان وأرغماه على الانكفاء إلى حالة العجز والاستسلام. 

لقد أمسى بناء الاقتدار المحلي للإنساني قضية مله، إذا كنا نطمح إلى أخذ مكانة وصناعة مصير، في عالم راهن يحكمه قانون القوة على جميع الصغير السياسية والاقتصادية والعسكرية والتقنية، ويتوجها جميعا القوة المعرفي التي تشكل منبع كل القوى الأخرى ومرتكزها؛ فالعولمة بتنافسيتها اللامحدودة، وتحولاتها المتسارعة، وما تفرضه من حالات عدم تأكد، حيث كل شيء يتحول بسرعة، وحيث المستقبل يحمل بين المفاجآت أكثر مما يحمل من يقين الاستقرار والاستمرار، وما يسير كل عملياتها من قانوني و لم يعد فيها مكان للضعفاء والمستکینين. الشباب تحديدا وكل شرائح مجتمعاتنا - عموما - بحاجة إلى استرداد نشاط طاقاتها الحية وإطلاقها وبناء الاقتدار الكلي.

من كتاب (إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي)، مصطفى حجازي، 2012 التنوير للطباعة والنشر، لبنان

 

شارك الملف

آخر الملفات المضافة

أكثر الملفات تحميلا