أوراق عمل مراجعة متنوعة لغة عربية الصف التاسع الفصل الثاني
عندما تكون منطلقا بالسيارة في ربوع الصحراء فإن (ديفيد سترابر) هو مثال الرجل الذي سترغب في أن يتولى قيادة السيارة؛ ذلك أنه يتحاشى تماما إجراء مكالمة هاتفية، أو كتابة رسائل قصيرة على هاتفه النقال، او تناول الطعام. وعالم النفس هذا متخصص في علم الانتباه، وهو يعلم أننا عندما ننجز عدة مهام في آن واحد فإن أمغتنا تميل إلى ارتكاب الأخطاء: لأنها تكون في حالة من مقاومة التشتتت، وقد أظهرت دراسته أن استعمال الهاتف النقال يوهن أداء جل السائقين بقدر ما يفعله تناول المشروبات الكحولية.
يقول ستراير إن أدمغتنا ليست ألات حاسبة لا تعرف الكلل، بل انها معرضة للإصابة بالإعياء بسهولة، لكننا عندما نتمهل، وتنتهي عندما يشغلنا، ونغمر انفسنا في أجواء الطبيعة الجميلة التي نحيط بنا، فإننا لانشعر بأننا قد
استعدنا عافيتنا ونشاطنا فحسب، بل نكون قد حسنا أداءنا الذهني كذلك.
وهذا ماعرضه ستراير عمليا مع مجموعة من الطلبة المخيمين. إذ إن أداءهم تحسن بمقدار 50 % في مهام متعلقة بحل المشكلات بطرائق إبداعية بعد ثلاثة أيام من الترخال، وهم يحملون أمتعتهم على ظهورهم
إن القدرة على تركيز الانتباه بصفة إرادية، وتجاهل عوامل التشتت وصرف النظر مسألة حاسمة لحل المشكلات، وإتمام المهام، لكن الحباة العصرية تتطلب أحيانا من هذه القدرة أكثر مما نمتلك، وما إن تستنزف حتى يؤدي
المجهود المطلوب والتركيز إلى إرهاق الذهن، وفقدان الفعالية والإجهاد. الطبيعة تتعهدنا، ثم إنها ترفع معنوياتنا، وتحسن مزاجنا، وتفضي نظرية استعادة الانتباه بأن قضاء بعض الوقت في أحضان الطبيعة يريحنا من التوتر والإجهاد الذهني الناتجين عن «الانتباه الموجه» الذي يتطلبه العمل وحياة المدن.
وفي عام، نظر مهندس المناظر الطبيعية العظيم (فر يدريك لو أومستد) من فوق «وادي بوسيميتي» فرأى مكانا جديرا بأن يحافظ عليه، وكان على قناعة بضرورة وجود طبيعة خضراء جميلة كي يستمتع بها الناس، فكتب في ذلك يقول: «إنها لحقيقة علمية أن نأمل المناظر الطبيعية الخلابة بين حين وأخر.. مستحسن لصحة الرجال ونشاطهم وبخاصة لصحة أذهانهم وتحسن وظيفتها».
كان (أومستد) يبالغ حينها، فما زعمه لم يكن مرتكزا على العلم، بقدر ما كان مستندا إلى حدسه الشخصي، لكن حدسه ذاك كان له تاريخ طويل؛ فقد عبر (باراسيلوس) الجراح السويسري الألماني في القرن السادس عشر عن ذلك الحدس نفسه عندما كتب: «إن فن اللقاء هو من الطبيعة، لا الطبيب»، وفي عام 798 l تعجب الشاعر الإنجليزي (و يليام وردسميث)، وهو يجلس على ضفاف نهر (واي) كيف أن «العين التي تقر بتأثير الانسجام الموجود في الطبيعة توفر الخلاص من حمى العالم»، كما ورث كتاب أخرون وجهة النظر تلك، وجنبا إلى جنب (أومستد) «مهندس المناظر الطبيعية»، فقد أوجد هؤلاء الأساس الروحاني والعاطفي للمطالبة بإنشاء المتنزهات الوطنية الأولى في العالم، زاعمين أن للطبيعة قوى شافية.
لم تكن هناك أدلة دامغة حينها، أما اليوم فالأدلة موجودة، فمشاكل الصحة العامة المستشرية مثل البدانة، والاكتئاب، وظاهرة قصر النظر واسعة الانتشار، جميعها مرتبط ارتباطا واضعا بالأوقات التي يمضيها الناس
في الأماكن المغلقة.
تلك الأمراض قد حفزت ستراير) وغيره من العلماء على البحث باهتمام متجدد في موضوع تأثير الطبيعة في أدمغتنا وأجسامنا، وتأسيسا على بعض التطورات في مجالي العلوم النفسية وعلم النفس، فقد بدؤوا بقياس ما كان سابقا مقدسا وغامضا، وهذه القياسات التي تشمل كل شيء ابتداء من هرمونات الإجهاد مرورا بمعدل نبض القلب، فالأمواج الدماغية، وانتهاء بعلامات البروتين تشير إلى أننا عندما نمضي بعض الوقت في الطبيعة فإن «شيئا عظيما ينتج عن ذلك» على حد قول (ستراير).
وقد علل باحثون من كلية الطب في جامعة إكستر) بانجلترا مؤخرا بيانات الصحة النفسية لعشرة ألاف شخص من سكان المدن، واستعملوا خرائط شديدة الدقة لتتبع المناطق التي سكنها هؤلاء الذين شملتهم الدراسة على مدى ثماني عشرة سنة، وقد توصلوا إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق أقرب للمساحات الخضراء كانوا أقل شكوى من الغم، وذلك بعد تعديل النتائج ليأخذوا في الاعتبار مستو يات الدخل والثقافة والوظيفة (وكل منها عامل مؤثر في الصحة).
وفي عام 2009 وجد فريق من الباحثين الهولنديين معدلات أقل لظهور خمسة عشر مريضا تشمل الاكتئاب والقلق ومرض القلب والسكري والربو والصداع النصفي - لدى الناس الذين لا تبعد منازلهم أكثر من كيلو متر
واحد عن المساحات الخضراء.
وفي عام 5 201 جمع فريق بحث دولي الإجابات الواردة في استبانة صحية شملت واحدا وثلاثين ألف شخص من سكان مدينة تورنتو الكندية، فربطوا تلك الإجابات مع خريطة المدينة مربعا سكنيا بمربع سكني.
ووجدوا أن من يعيشون في مربعات سكنية تضم عددا أكبر من الأشجار كانوا يظهرون ارتفاعا في مستوى صحتهم القلبية والأيضية تعادل ما يشهده المرء عندما يحصل على زيادة دخل بواقع عشرين ألف دولار، كما وجدت علاقة بين معدلات أدنى للوفيات، وهرمونات إجهاد أقل في الدم، والعيش إلى جنب المساحات الخضراء.
ويصعب على المرء أن يتخلص من هذه الدراسات الشيء الذي يجعل الناس يشعرون بمزيد من السعادة: أتراه الهواء النقي؛ أم أن بعض الألوان والأشكال المختلفة محفز على تشكل مواد كيميائية عصية محددة في القشرة البصرية لأدمغتنا؟ أم أن الموضوع ببساطة هو أن الناس الذين يعيشون في أحياء أكثر خضرة يستعملون الحدائق العامة لممارسة الرياضة أكثر منا يتعلمها غيرهم؟ وكان هذا ما يعتقده (ريتشارد ميشيل)
وهو اختصاصي وبائيات لدى جاممة (جلاكو) في اسكتلندا، أول الأمر.
يقول. «لقد كنت أشك بوجود أسباب أخرى» ولكنه أجرى بعد ذلك دراسة كبيرة أظهرت معدلات أقل للوفيات والأمراض لدى التاس الذين يعينون على مقربة من الحدائق العامة والمساحات الخضراء الأخرى، حتى إن لم يكونوا يستعملونها. و يضيف ميشيل: «تظهر دراستنا فضلا عن دراسات غيرنا وجود هذه التأثيرات المجددة للصحة سواء أكان هؤلا الناس يمارسون المشي في الطبيعة أم لا يمارسونه»، علاوة على ذلك، فقد بدا أن أكبر
المنافع كانت لدى الناس الأدنى دخلا: إذ اكتشف ميتشيل أن وجود المرء إلى جنب الطبيعة في الهدف يرفعه درجات في السلم الاجتماعي.
ما يظنه ميتشل وباحثون آخرون هو أن الطبيعة تؤثر فينا بالدرجة الأولى يخفض مستويات الإجهاد لدينا. وقد أظهر الناس الذين يستطيعون رؤية الشجر والعشب من نوافذهم مقارنة بمن لديهم مشاهد رديئة سرعة أكبر في استعادة عافيتهم في المستشفيات وأداء أفضل في المدارس، بل وسلوكا أقل عدوانية في الأحياء التي يكثر فيها العنف، وتنجم هذه النتائج مع محصلات الدراسات التجريبية للجهاز العصبي المركزي؛ إذ تشير قياسات كل من هرمونات الإجهاد و التنفس ونبض القلب والتعرق إلى أن جرعات قليلة من الطبيعة .بل وختى صور من عالم الطبيعة. لديها القدرة على تهدئة نفوس الناس وتحسن أدائهم.
وقد قامت الطبيبة (ماتبلا فان دن بوش) في السويد، بدراسة مجموعة من الأشخاص كانت قد كلفتهم بحل مسألة رياضية مجهدة، فاكتشفت أن تفاوت معدل خفقان قلوبهم (الذي ينقص عادة عند الإجهاد كان يعود
إلى طبيعته بسرعة، عندما كانت تجلسهم خمس عشرة دقيقة في غرفة للواقع الافتراضي، تعرض فيها صورا ثلاثية الأبعاد لمشاهد طبعية مصحوبة بتغريد الطيور بدلا من الجلوس في غرفة عادية.