رواية عساكر قوس قزح اللغة العربية للصف التاسع 2021-2022
عشرة تلاميذ جدد
کنت مجرد صبي صغير عندما جلست في ذلك الصباح على مقعد طويل خارج مدرسة ، يظللني فرع شجرة (فیلسیوم) عتيدة .
كان أبي يجلس إلى جانبي ، ذراعه تعانق كتفي ، ورأسه لا ينفك يومي وهو يبتسم في وجه الأهالي والأطفال الجالسين على المقعد المواجه لنا ، كان يوما مهما : اليوم الأول في المدرسة الابتدائية .
كان صف المقاعد الطويلة ينتهي عند باب مفتوح وخلفه حجرة الدراسة .. إطار ذلك الباب مقوس ، حاله في الحقيقة حال المدرسة شبه المتداعية التي بدت كما لو أنها قد تنهار في أي لحظة .
عند مدخل الباب وقف معلمان مثل مضيفين يرحبان بضيوف مدعوين إلى حفلة ؛ المعلم (باپاك ك ،أ، هرفان إفندي نور) أو (پاك هرفان) اختصارا ، مدير المدرسة ، وهو رجل كبير في الس حليم الوجه ، ومعلمة صبية تضع جلبابا ؛ (إيبون ، أ ، مسلمة فصري) ، أو (بو مس) اختصارا ، وكانا مثل أبي يبتسمان .
لكن ابتسامة (بومس) بدت مفتعلة : كانت قلقة ؛ وجهها متشنج وينتفض بعصبية ، لم تكف عن تفقد عدد التلاميذ الجالسين على المقاعد الطويلة ، وجعلها اضطرابها لا تكترث بالعرق الذي سال على عينيها ، ملطا ماكیاجها ومخططا وجهها حتى ظهرت كما لو أنها خادمة الملكة في مسرحية قريتنا التراثية «دل ملوك» .
تسعة تلاميذ ، تسعة فقط یا (پیماندو غورو) ، ما زلنا بحاجة إلى تلميذ آخر» قالت بنبرة مخنوقة للمدير ، عاینها (باك هرفان) بنظرة ضبابية
أنا أيضا اضطرب ، اضطربت بسبب هلع (بو مس) ، وبسبب شعوري بأن ذراع أبي تثقل جسمي كله ، ومع أنني رأيته مرتاحا في الصباح ، إلا أن ذراعه القوية الملتفة حول رقبتي فضحت ضربات قلبه المتسارعة .
لم يكن سهلا على عامل منجم في السابعة والأربعين من العمر ، الديه أولاد کثر وراتب ضئيل أن يرسل ابنه إلى المدرسة ، كان من الأفضل له أن يرسلني إلى العمل مساعدا في كشك بقالة صيني في السوق ، أو إلى الساحل لأشتغل عاملا ؟ وأساهم معه في التخفيف من أعباء العائلة المادية .
إن إرسال طفل إلى المدرسة عنى التقيد لسنوات بمصاريف إضافية ، وبالنسبة إلى عائلتنا لم يكن هذا بالأمر البسيط .
يا لأبي المسكين! لم أجرؤ على النظر في عينيه ..
لم يكن أبي الوحيد الذي يرتجف اضطرابا ، فقد أظهرت وجوه الأهالي الآخرين أنهم ، مثل أبي ، انجرفوا بأفكارهم إلى سوق الصباح ومخيلاتهم تصور لهم مزايا اشتغال أبنائهم عمالا ... فهؤلاء الأهالي ليست لديهم قناعة كافية بأن تحصيل أولادهم للعلم الذي يستطيعون تحمل نفقاته إلى المرحلة الإعدادية فقط ، يمكن أن يجعل مستقبل عائلاتهم مشرقا ، وما جاؤوا هذا الصباح إلا رغما عنهم ، إما كي يتفادوا التوبيخ من المسؤولين الحكوميين لعدم إرسال أولادهم إلى المدرسة ، أو إذعانا لمتطلبات العصر التي تستلزم تحریر أولادهم من الأمية .
كنت أعرف الأطفال والأهالي الجالسين قبالتي جميعهم ، باستثناء صبي متسخ ، شعره أحمر ومجعد ما فتئ يحاول جاهدا التملص من قبضة أبيه الذي صحب ابنه لابا بنطلونا من القطن الرخيص ودونما حذاء ينتعله .
أما بقية الأطفال فهم كلهم من أصدقائي المقربين الذين أعرفهم جيدا ، مثل (تراپاني) القابع في حضن أمه ، أو (كوتشاي) الجالس إلى جانب أبيه ، أو سهاري التي غضبت من أمها في وقت سابق لأنها أرادت دخول الصف من فورها ، أو (شهدان) الذي لم يرافقه أحد ،، گنا جیرانا ، جميعنا من جزيرة (بیلیتونج) ، من أصول ملايوية ، والأفقر على الإطلاق ، وبالنسبة إلى هذه المدرسة ، مدرسة المحمدية الابتدائية ، هي أيا كانت الأفقر ،،، أفقر مدرسة قرية في ( بیلیتونج) ، والأسباب التي جعلت الأهالي يسعون إلى تسجيل أولادهم فيها لا تتجاوز الثلاثة : أولا ؛ لا تتطلب ابتدائية المحمدية دفع الرسوم المدرسية ، ويمكن أن يساهم الأهالي بأي شيء يطيقونه وفي أي وقت يستطيعون .
ثانيا ، خشي الأهالي من ضعف نفوس أطفالهم بحيث يمكن أن يقودهم الشيطان إلى طريق الضلال بسهولة ، لذلك أرادوهم أن يحصلوا على توجيهات إسلامية منذ نعومة أظفارهم .
ثالثا ، ليس هناك أي مدرسة أخرى ترضى باستقبال أطفالهم ، (بو مس) التي تضاعف تجهمها ركزت نظرها على الطريق الرئيس ؛ أملا في وصول تلميذ جديد آخر، وما رأيناه من يأسها أفزعنا ، لأن وزارة جنوب سومطرة للتربية والتعليم أصدرت بيانا تحذيرا قالت فيه : إذا قل عدد تلاميذ مدرسة المحمدية الابتدائية الجدد عن العشرة ، فهذه المدرسة ، أقدم مدرسة في (بیلیتونج) ، ستقفل) ؛ ولذلك انتاب القلق (بو مس) و (پاك هرفان) خوفا من إغلاق المدرسة ، وانتاب القلق الأهالي خوفا من التكاليف ، ونحن الأطفال التسعة العالقون في الوسط ، انتابنا القلق خوفا من ألا يتسنى لنا ارتياد المدرسة أبدا .
في السنة الماضية بلغ عدد تلاميذ المحمدية أحد عشر فقط ، وفي هذه السنة وصل تشاؤم (پاك هرفان) حدا كبيرا ، إلى درجة أنه أعد سرا خطاب إغلاق المدرسة .
- «ننتظر إلى الساعة الحادية عشرة» قال (پاك هرفان) مخاطبا (بو مس) والأهالي الذين أخذ اليأس منهم مأخذه .
كنا صامتين ، وكان وجه (بو مس) منتفځا بسبب دموعها المحبوسة ؛ فذلك اليوم هو يومها الأول في التعليم ، هو يوم لم يفارق أحلامها منذ وقت طويل جدا ، تخرجت قبل وقت قريب في مدرسة البنات المهنية ؛ إحدى المدارس الثانوية في عاصمة المقاطعة الحكومية ، ولا يتجاوز عمرها خمس عشرة سنة ، وإذ وقفت هناك كالتمثال تحت الجرس ، لم تفارق عيناها فناء المدرسة الفسيح والطريق الرئيس ، إلا أن أحدا لم يظهر ، واصلت الشمس ارتفاعها إلى كبد السماء لتلاقي منتصف اليوم ، كان انتظار تلميذ جدید آخر أشبه بالقبض على الريح ، شعرت أنا والأطفال الآخرين بالحزن ، فنگسنا رؤوسنا .
في الحادية عشرة إلا خمس دقائق لم تعد (بو مس) قادرة على إخفاء تعاستها ، أحلامها الكبيرة بخصوص هذه المدرسة راحت تتهاوى حتى قبل أن تبصر النور ، واثنتان وثلاثون سنة من عمر (پاك هرفان) في الخدمة المجانية المتفانية التي لم تلق تقديرا شارفت على الانتهاء .
- تسعة فقط با پیماندو غورو ،» قالت (بو مس) التي ما عادت قادرة على التفكير بوضوح ، مرددة الشيء نفسه الذي يعرفه الجميع .
أخيرا ، انتهى الوقت ، بلغت الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق ، ومجموع التلاميذ لم يتجاوز التسعة ، نكي ذراع أبي عن كتفي ، بکت سهاري في حضن أمها ، سهاري التي كانت تضع جلبابا وتلبس جوربا وحذاء وقميا ، وتحمل كتبا وزجاجة ماء وحقيبة ظهر ؛ كلها جديدة
مضى (پاك هرفان) إلى الأهالي وحياهم فردا فردا ، كان تأثير ذلك مدما ،،، ربت الأهالي ظهره ليواسوه ، لمعت عينا (بو مس) من الدموع المترقرقة فيهما ،، استعد (پاك هرفان) ليلقي خطبته الأخيرة ، وعندما بدأ ينطق كلماته الأولى «السلام عليكم»، صاح (تراپاني) وأشار إلى طرف فناء المدرسة مروعا الجميع بصياحه . هارون!»
التفتنا ننظر ، نحنا من بعيد صبيا طويلا ونحي" يتجه نحونا بمشية خرقاء ، ملابسه وتسريحة شعره بمنتهى الأناقة ، يلبس قميصا أبيض طويل الأكمام دسه تحت بنطلونه القصير ، كانت ركبتاه تتلاصقان معا وهو يمشي ، بحيث بدا جسمه المتهادي قدما على شكل X، تصحبه امرأة سمينة في منتصف العمر تحاول بصعوبة بالغة التمسك به ، كان ذاك هارون ؛ صبي طريف وواحد من أصدقائنا .
يبلغ هارون من العمر خمس عشرة سنة ، أي بعمر (بو مس) ، لكنه على شيء من التخلف العقلي ، وإذ أقبل نحونا شبه راكض بدت عليه سعادة قصوى ، كما لو أنه يتحرق شوقا للانضمام إلينا ، لحقته أمه وهي تتعثر خلفه محاولة أن تمسك يده .
لما وقفا أمام (پاك هرفان) کانا ما يلهثان . یا با پاك غورو» قالت أم هارون وهي تلتقط أنفاسها، «رجاء اقبل هارون ، مدرسة ذوي الاحتياجات الخاصة تقع في جزيرة (بانجكا) ، ولا تملك المال لنرسله إلى هناك ، والأهم من هذا ، ارتياده المدرسة هنا أفضل من أن يبقى في البيت ويتفرغ لمطاردة دجاجاتي» ابتسم هارون ابتسامة عريضة كشفت عن أسنان طويلة صفراء .
وكذلك ابتسم (پاك هرفان) ، تطلع إلى (بو مس) وهز كتفيه ، «هذا يجعلهم عشرة».