كتاب التنمية المستدامة الاجتماعيات للصف العاشر الفصل الثاني 2020-2021

كتاب التنمية المستدامة الاجتماعيات للصف العاشر الفصل الثاني 2020-2021

كتاب التنمية المستدامة الاجتماعيات للصف العاشر الفصل الثاني 2020-2021


مقدمة 

شهد موضوع التنمية المستدامة تطورا كبيرا على الصعيد العالمي خلال العقدين الأخيرين من القرن المافي ومطلع الألفية الجديدة، إذ انعقد الكثير من المؤتمرات والقمم العالمية التي عالجت قضايا البيئة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كان من أهمها قمة الأرض التي انعقدت في البرازيل في صيف 1992 ونتج عنها جدول أعال القرن الحادي والعشرين الخاص بالتنمية المستدامة، وإنشاء لجنة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (UNCSD) التي أخذت تعنى بوضع قائمة بمؤشرات التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتاعية والبيئية والمؤسسية. وكذلك قمة التنمية المستدامة التي انعقدت في جنوب أفريقيا عام 02()2، وخرجت بخطة عمل جوهانسبرج التي أكدت عل أية تطوير مؤشرات التنمية المستدامة بهدف مساعدة صانعي القرار في تبني سياسات تضمن تعقيق التنمية المستدامة. 

وتولي معظم دول العالم اليوم، بصرف النظر عن أسلوب إدارة اقتصاداتها الوطنية، اهتاما كبيرا بتحقيق التنمية المستدامة، المسألة التي تتطلب العمل على الحفاظ عل قاعدة الموارد الطبيعية، وإدارمها بصورة خدم العملية التنموية، وتغير أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامين، وتعمل على الحدمن التلوث البيئي، علاوة عل محاربة الفقر من خلال تعسين المستويات المعيشية، وخلق فرص عمل متزايدة، على أن يراعى في ذلك كله حق الأجيال المستقبلية في المشاركة في الموارد الطبيعية، خصوصا الموارد المائية والأرضية وموارد الطاقة. 

أما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد اهتمت منذ إنشائها بالأبعاد الاقتصادية والاجمتاعية ذات الصلة بموضوع التنمية المستدامة، وقد تجسد هذا الاهمام بإنشاء العديد من المؤسسات والأجهزة الحكومية المهتمة بوضع البرامج والسياسات والتشريعات المتكاملة التي تعزز مسيرة تحقيق التنمية المستدامة. 

ويأتي هذا الكتاب ليستعرض مفهوم التنمية المستدامة وعناصرها ومؤشراتها والاستراتيجيات الخاصة بها، كما يبين مسيرة التنمية المستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأهم التحديات التي تواجهها، والجهود المبذولة لتحقيقها. 

وقد قسم الكتاب إلى أربعة فصول؛ تناول الفصل الأول منها مفهوم التنمية المستدامة وتطورها التاريغي وعناصرها ومؤشراتها، وكذلك استعرض استراتيجية التنمية المستدامة وبعض التجارب الدولية الخاصة بها. وجاء الفصل الثاني بعنوان مؤشرات التنمية المستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث عرض التطور الحاصل في قطاعات التنمية المستدامة خلال الفترة (1990 —2006، من خلال استعراض أكثر من 30 مؤشرا اقتصاديا واجتاعيا وبيثيا ومؤسسيا، ومقارنة تلك المؤشرات بالوضع السائد في الدول المتقدمة والنامية وعلى صعيد العالم. وتضمن الفصل الثالث بيان أهم التحديات التي تواجه التنمية المستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسسية، بينما تناول الفصل الرابع والأخير جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق التنمية المستدامة من خلال استعراض أهم الاستراتيجيات والخطط والبرامج والمبادرات التي قامت بها الدولة في مختلف أبعاد التنمية المستدامة. 

 

الفصل الأول 

التنمية المستدامة: إطار نظري عام 

يوضح هذا الفصل التطور التاريخي لمفهوم التنمية المستدامة من خلال استعراض أهم التقارير والوثائق الدولية والمؤتمرات والقمم العالمية التي تناولت موضوع التنمية المستدامة، كما يبين أهم عناصر التنمية المستدامة وأبعادها ومؤشراتها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمؤسسية، علاوة عل توضيح مفهوم استراتيجيات التنمية المستدامة و مزاياها وبعض التجارب الدولية الخاصة منها. 

 

مفهوم التنمية المستدامة 

أولا: التنمية المستدامة: خلفية تاريخية 

على الرغم من أن مفهوم التنمية المتدامة قد يكون مفهوما حديثا، فـإن التنمية المستدامة لا تمثل ظاهرة حديثة، بل هي موجودة منذ القدم، حيث ان الدافع وراء تخاوفنا الحالية يرجع إلى آلاف السنين، وفقا لما بينه كتاب التربة الفوقية والحضارة Civili:ation and Soil Top لمؤلفيه ديل وكارت، فهناك مثالان يعبران عن نفاذ البصيرة يتمثلان في الحضارات التي قامت في شمال أفريقيا بالقرب من قرطاج القديمة (تونس حاليا)، ومصر. 

كان يسكن في قرطاج في عصرها الذهبي أكثر من مليون نسمة، وكانت تتمتع بوفرة من المواد الغذائية التي كانت تنتج في الأراضي الزراعية الخصبة المنخفضة الواقعة بين الساحل وجبال الأطلس. وبمجرد قيام الدولة الرومانية بغزو قرطاج و قرارها أن تجعل منها مستعمرة لتوريد الطعام للإمبراطورية الرومانية، بدأت دورة من دورات تدهور الأرض لا يمكن تغييرها، مما قاد إلى إفقار الناس على مر التاريخ وحتى يومنا هذا. وعمدت روما آنذاك إلى الزراعة الكثيفة لإنتاج أكر قدر ممكن من المحاصيل في الهكتار، وعندما بدأت خصوية الترية بالتدي عمدوا إلى مزيد من الزراعة المكثفة لتعويض الانخفاض في إنتاج المحاصيل. و مع تزايد الإنتاجية بالطبع عمدت روما إلى نشر الزراعة والرعي في المناطق الحديثة و المرتفعة، مما أدى إلى تدهور الإنتاجية وتدمير الأرض في نهاية المطاف إلى الأبد. وعلى العكس من حضارة قرطاج، بقيت حضارة وادي النيل منذ أيام كليوباترا حتى القرن العشرين ترتكز على أساس مستدام؛ إذ كان الفيضان السنوي للنيل في فصل الصيف يوفر المياه ويزود التربة من جديد بالمواد المغذية. 

وفي الحقيقة، توجد مشاهد كثيرة ومن دول العالم المختلفة منذ عصر الحضارات القديمة مرورا بالحضارة الإسلامية وعصر النهضة والثورة الصناعية تشير إلى أمثلة مماثلة لما حدث في مصر و تونس القديمة. وقد عانت الدول الأوربية، ومن بينها أيرلندا وسويسرا وإسبانيا و دول أخرى، من جراء الخراب الناجم عن التصحر والرعي الجائر والآثار الناججة عن الفيضانات وفقدان التربة خصوبتها. ومن ذلك ما أثير حول تدهور إسبانيا بوصفها قوة بحرية عالمية بسبب عجز غاباتها المحدودة عن تلبية حاجتها إلى بناء الفن. هذا علاوة على قيام ملاك الأراضي الأقوياء بتدمير أجزاء واسعة من السهل الأوسط و الجنوبي من خلال الرعي السنوي للأغنام، مما أدى إلى تعرية الأراضي وتغيير تركيبة التربة و تدمير خصوبتها." 


ثانيا: التنمية المستدامة في الوثائق العالمية (قبل الظهور الرسمي للمفهوم) 

لم يكن ظهور مفهوم التنمية المستدامة على الصعيد الرسمي في تسعينيات القرن المافي مفاجئا، فقد أشار العديد من التقارير والوثائق الدولية التي تناولت قضايا البيئة والتنمية و النمو و مستقبل الاقتصاد العالمي بصورة غير مباشرة وبصورة مباشرة إلى هذا المفهوم الذي اكتسب الصفة الرسمية بعد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية الذي انعقد في ريو دي جانيرو في صيف عام 1992، ونقدم فيما يأتي توضيحا موجزا لأهم ما جاء بهذه التقارير. 

1. تقرير حدود النمو (1972) 

صدر هذا التقرير عن نادي روما، وهو مؤسسة عالمية غير حكومية ذات مكانة مرموقة تضم مجموعة من خيرة علماء ومفكري العالم في مجالات الاقتصاد والاجتماع والبيئة والعلوم الزراعية والبيولوجية. وقد أوضح التقرير دور السكان واستهلاك الموارد والتلوث البيئي والتكنولوجيا في التأثير على مستقبل الاقتصاد العالمي و البشرية. كما عالج موضوعات: السكان، والطاقة، والموارد المعدنية، والإنتاج الزراعي، والإنتاج غير الصناعي، وتلوث البيئة. و قد ارتكزت رسالة التقرير على فكرة محدودية الموارد، وأنه إذا استمر تزايد معدلات الاستهلاك الحالية، فإن الموارد الطبيعية لن تفي باحتياجات المستقبل، وأن استنزاف الموارد البيئية المتجددة والموارد غير المتجددة يهدد المستقبل. 

2. تقرير الاستراتيجية الدولية للمحافظة على البيئة (1981) 

صدر هذا التقرير عن الاتحاد العالمي للمحافظة على الموارد الطبيعية في عام 1981، وتم للمرة الأولى وضع تعريف محدد للتنمية المستدامة، كما تم أيضا بيان هذه الاستراتيجية